السبت، 22 فبراير 2014

الشهيدة فيلومينا العجائبيه


الشهيدة فيلومينا العجائبيه


سيرتنا اليوم تختلف كليةً عن أي سيرة أخرى قد كتبناها في موقعنا الموقر هذا ... فسيرتنا اليوم ليست مأخوذة من كتاب أو نبذة صغيرة بل مأخوذة من فم صاحبة السيرة نفسها بدون زيادة أو نقصان ولمعرفة ذلك علينا أن نلجأ إلى الوحي الإلهي الخاص الذي نالته الراهبة الدومنيكانية مريم لوسيا ليسوع في أغسطس عام 1833م ...

حيث كانت الراهبة تصلّي أمام تمثال للقدّيسة فيلومينا وتدور في رأسها التساؤلات حول حياة هذه القدّيسة إذ فجأة بالتمثال يحدّثها قائلاً : (( أختي العزيزة أنا ابنة أمير من الأمراء وحاكم ولاية صغيرة في اليونان وأمّي سليلة عائلة ملكيّة لم يكن لوالدي أبناء فقدّموا الذبائح والتقادم للآلهة المزيّفة بلا انقطاع وقد عاش في قصر والدي طبيب اسمه بوبليوس وكان يدين بالمسيحيّة عندما رأى معاناة والديّ دفعه الروح القدس إلى تبشيرهما بالمسيحيّة فوعدهما بأنّه سيصلّي لأجلهما إذا وافقا على نيل سرّ المعمويّة .

ورافقت النعمة كلماته فأنارت فهمهما وانتصرت على إرادتهما فصارا مسيحيّين ونالا أخيرًا السعادة التي طالما انتظراها والتي أكّد لهما بوبليوس أنّهما سينالانها مكافأة لإيمانهما وعندما حانت ولادتي أسموني لومينا إشارة إلى نور الإيمان الذي كنتُ أنا ثمرته وعند عمادي سموني فيلومينا أي ابنة النور لأنّني ولدت ذلك اليوم إلى الإيمان كانت محبّة والديَّ لي عظيمة جدًّا بحيث لم يفارقاني لحظة واحدة ولهذا السبب اصطحباني معهما إلى روما في رحلة اضطرّ إليها والديّ بسبب الحرب التي هدّدت والدي وكنت قد بلغت حينئذٍ الثالثة عشرة من عمري .

عندما وصلنا إلى عاصمة العالم توجّهنا إلى قصر الإمبراطور ومثلنا في حضرته ما أن رآني ديوكليسيانوس حتى تسمّرت عيناه عليّ. بقي نظره موجّهًا إليّ طيلة الوقت الذي كان والدي يحادثه خلاله بكلّ ما من شأنه أن يسهم في الدفاع عنه وعندما انتهى والدي من الكلام أعلن الإمبراطور لوالدي أنّ أحدًا لن يزعجه بعد اليوم وأنّه يستطيع أن يعيش بهدوء ولا يفكّر إلاّ في سعادته وقال ديوكليسيانوس لوالدي : (سأضع جميع قوّات الإمبراطوريّة رهن إشارتك وذلك مقابل شيء واحد أطلبه إليك وهو يد ابنتك) فغمر أبي شعور بالنشوى لهذا الشرف العظيم الذي لم يكن ليحلم به وأعلن على الفور موافقته على طلب الإمبراطور .

وعندما توجّهنا بعد ذلك إلى مخدعنا حاول أبي وأمي جاهدين إغوائي بالنـزول عند رغبة ديوكليسيانوس ورغبتهما فبكيت قائلة : (هل تريدانني أن أحنث بوعدي للمسيح يسوع بسبب حب رجل ؟ طهارتي عذريتي كرّستهما للمسيح ولم أعد أملك حقّ التصرف بهما) ... (ولكّنك كنت طفلة حينئذٍ يا بنيتي صغيرة جدًّا لتتخذي قرارًا مثل هذا) أجاب والدي ثم راح يهدّدني بمختلف الأمور لكن نعمة إلهي جعلتني لا أُقهر وعجز والدي عن تخليص نفسه من الوعد الذي قدّمه للإمبراطور فاضطرّه ذاك إلى إحضاري إلى مخدعه مرغمًا واضطررت إلى احتمال ثورة غضب أخرى من أبي لبعض الوقت .

وضمّت والدتي جهودها إلى جهود أبي في محاولة لإقناعي بلطيف الكلام حينًا والتوعّد والتهديد حينًا آخر استخدما كافّة الوسائل لإرغامي على طاعة أوامرهما وفي آخر الأمر جثا أبواي على ركبتيهما والدموع في أعينهما قائلين : (ابنتي أشفقي على أبيك وأمك وعلى بلادك بلادنا وعلى أهلها) ... (لا ! لا !) أجبتهما ... (عذريتي التي نذرتها لله هي قبل كلّ اعتبار أهمّ منكما وأهمّ من بلادي إن مملكتي في السماء) فأصابتهما كلماتي هذه باليأس فأحضراني أمام الإمبراطور الذي حاول استمالتي إليه بكلّ الوسائل لكن وعوده وإغراءاته وتهديداته باءت كلّها بالفشل فانتابته عندئذٍ ثورة غضب وأثاره الشيطان فأمر بحبسي في إحدى زنزانات القصر حيث كبّلوني بالقيود معتقدًا بأنّ الألم والعار سيضعفان شجاعتي .

وبعد بضعة أيام أصدر الإمبراطور قرارًا بفكّ قيودي وسمح لي بتناول بعض الخبز والماء ثمّ جدّد هجماته التي لولا نعمة الله لكانت هجمات مميتة ضدّ الطهارة وكانت هزائمه المتوالية مقدّمات للمزيد من التعذيب القاسي كانت الصلاة تدعمني وتؤازرني حيث لم أتوقّف يومًا عن الاتكال على يسوع وأمّه ودام أسري 37 يومًا .

ثمّ فجأة رأيت أنوارًا سماويّة وفي وسطها مريم تحمل طفلها الإلهيّ على ذراعيها وقالت لي : (يا بنيتي ثلاثة أيّام أخرى في السجن ثمّ وفي اليوم الأربعين ستتخلّصين من العذاب) فجدّدت سعادة اللقاء شجاعتي للاستعداد للمعركة المرعبة المنتظرة وذكّرتني سلطانة الملائكة باسمي الذي نلته إبان المعموديّة وقالت : (أنتِ نور كما أنّ عريسك هو أيضًا النور لا تخشي شيئًا فأنا سأكون في عونك الطبيعة التي تؤكّد على ضعف نفسها تحاول الآن إذلالك ولكن عند لحظة الصراع فستحلّ عليك النعمة لتمنحك القوة الملاك الذي لي جبرائيل والذي يدلّ على اسمه على القوّة سيهبّ لنجدتك وأنا سأعيّنه لحمايتك) .

انتهت الرؤيا مخلّفة وراءها رائحة بخور زكية اختبرتُ فرحًا ليس من هذا العالم أمرًا لا يمكن تحديده أو وصفه وسرعان ما اختبرت العذاب الذي أعدتني له سلطانة الملائكة فقد يئس ديوكليسيانوس وأيقن أنّني لن أكون له لذلك قرّر أن يخدش فضيلتي على الملأ فأمر بتعريتي وجلدي على مثال عريسي الذي فضّلته عليه كانت كلماته المرعبة كما يلي : (بما أنّها لا تخجل أن تفضّل على إمبراطور مثلي مجرمًا محكومًا عليه بعار الموت على أيدي شعبه فإنّها تستحقّ أن يعاملها عدلي كما عومل هو من قبل) .

لكن الحرّاس تردّدوا في تعريتي تمامًا، وقيّدوني إلى عامود في حضرة عظماء رجال البلاط وجلدوني بقسوة إلى أن غرقت في دمائي وبات جسدي كجرح واحد مفتوح ينزف لكنّي لم أفقد الوعي ثمّ أمر ديوكليسيانوس بسحبي إلى زنزانتي متوقّعًا موتي وأنا أتوقّع اللقاء أخيرًا بعريسي السماوي والانضمام إليه .

وظهر لي ملاكين مضيئين بنور لمع وسط ظلمة الزنزانة فسكبا على جروحي بلسمًا مسكّنًا فملأني قوّة لم أشعر بمثلها قبل ذلك العذاب وعندما علم الإمبراطور بالتغيّر الذي طرأ على حالتي أمر بمثولي في حضرته فنظر إليّ بشهوة كبيرة وحاول إقناعي بأنّني شفيت بفضل جوبيتر ومنه نلت قوّتي وحاول إثارة انطباعي بأنّ جوبيتر انتقاني لأكون إمبراطورة روما ثمّ أضاف لكلماته وعودًا بالشرف العظيم مفعمة أكثر بأكثر كلمات العطف والحنان التي استطاع ديوكليسيانوس تذكّرها ولكنّه حاول إتمام أعماله الشيطانيّة التي بدأها أمّا الروح الإلهيّ الذي أدين له بالمحافظة على طهارتي فملأني نورًا ومعرفة عجز ديوكليسيانوس وجميع معاونيه عن الإجابة على جميع البراهين والأدلّة التي وضعتها على صلابة وقوّة إيماني .

حدّق بي الإمبراطور بنظرة مسعورة ثمّ أمر الحرّاس بتقييدي إلى مرساة ودفني في مياه نهر التايبر العميقة تمّ تنفيذ الأمر وألقوا بي في الماء لكن الله أرسل ملاكين فحلاّ وثاقي من المرساة فغاصت إلى قاع النهر حيث هي باقية إلى اليوم بلا شك ونقلني الملاكين بلطف إلى حيث رآني الجموع المحتشدة على ضفتي النهر معافاة غير مبتلّة فصدرت عن الجموع صرخة ابتهاج وفرح واعتنق الكثير منهم المسيحيّة وأعلنوا إيمانهم بالربّ إلهي أمّا ديوكليسيانوس فعلّل نجاتي بسحر غامض سرّي .

ثمّ أمر بجرّي في طرقات روما ليرميني الرماة بالسهام حتّى فاضت دمائي ولمّا ظنّ ديوكليسيانوس أنّني أحتضر أمر بإعادتي إلى الزنزانة وهناك تعطّفت عليّ السماء مرّة أخرى وتعافيت تمامًا وغرقت في سبات عذب ثمّ حاول الطاغية مرّة أخرى طعني بالسهام المسمّمة فشدّ الرماة أقواسهم بكلّ عزم وقوّة لكن السهام أبت الانصياع لنواياهم وكان الإمبراطور حاضرًا فاستشاط غضبًا ولقّبني بالساحرة .

فأمر أخيرًا بتسخين رماح خفيفة في أتون النار وتوجيهها إلى قلبي ظنًّا منه أنّ النار كفيلة بتحطيم السحر فأطاعوه لكنّ الرماح التي اخترقت صدري في طريقها إلى قلبي غيّرت مسارها وعادت صوب قاذفيها الذين أطلقوها فمات ستّة منهم ونبذ غيرهم الوثنيّة .

وبدأ العديد من بين الحاضرين إعلان شهادتهم بقدرة الله العليّ الذي يحميني فأثارت هذه الكلمات غضب الطاغية الذي قرّر التعجّل في موتي بطعني بحربة في عنقي فطارت حينئذٍ روحي إلى عريسي السماوي الذي كلّلني بإكليل العذارى وسعف الشهادة ووضعني في مكان مميّز بين مختاريه وكان اليوم الذي شهد دخولي إلى المجد السماوي يوم جمعة وكانت الساعة الثالثة من بعد الظهر وهي الساعة عينها التي لفظ فيها المعلّم الإلهيّ الروح على الصليب )) .

كانت هذه كلمات قدّيستنا الجميلة فيلومينا التي قدّمت حياتها ليسوع وماتت عذراء شهيدة وهي في الثالثة عشرة من عمرها ... وبعد 25 عامًا من اكتشاف رفات القدّيسة فيلومينا عام 1827م بدأت إجراءات دعوى تطويبها كان البابا غريغوريوس السادس عشر البادئ في التحقيق في الأمر غاية في الحذر وقد شهد شخصيًّا شفاء بولين ماري جاريكو العجائبي وبولين هذه هي التي أسّست جمعيّة نشر الإيمان وجمعيّة القدّيسة فيلومينا للورديّة الحيّة .

المقصورة التي تحوي بداخلها رفات القديسة فيلومينا العجائبية بكرواتيا

بركة صلوات وشفاعة القديسة الشهيدة والفتاة المجاهدة فيلومينا العجائبية فلتكون معنا ومعكم ولربنا كل المجد والكرماة من الآن وإلى أبد الآباد كلها . آمين .

0 التعليقات:

Find us on Facebook

جميع الحقوق محفوظة لــ ما يخص الارتباط فى المسيحية
تعريب وتطوير ( كن مدون ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates